تجددت المواجهات اليوم بين طلاب مدينة جنين و طلاب مدينة طوباس على ارض الجامعة العربية الأمريكية، على خلفية مواجهات سابقة بدأت قبل نحو خمسة ايام.
ليس المهم ما هي القصة الأولى و الحقيقية المسببة لتلك الصدامات، فهي غالبا ما تكون على اشياءٍ ثلاثة، فتيات في المرتبة الأولى، نظر إلي في المرتبة الثانية، و الأخيرة مشاكل على من سيقود المجلس، مع استبعاد النقطة الأخيرة من مصادمات اليوم.
ولو رجعنا إلى التاريخ قليلا فسنجد ما يؤلمنا، وكيف كانت بدايات هذه التفرقة العنصرية بين أبناء المدن الفلسطينية و الفصائل الفلسطينية باختلاف اطيافها و مكوناتها، فالقصة بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي في جامعة بيرزيت، فمن هناك انطلقت الشرارة الأولى لهذه التفرقة، وليست جامعة بيرزيت هي السبب و إنما تصرفات الكتل الطلابية حينها هي كانت السبب.
مع عد تبرئة الجامعة، فكان جليا بها ان تمنع حدوث مثل هذه الأمور باعتبارها صرحاً يوحد الفلسطينيين تحت راية العلم، لمواجهة الاحتلال بالعلم، ولكن هذا لم يحدث، فَسُحب الأمر وتطور حتى صرنا نرى هذه العنصرية حتى بين أحياء المدينة الواحدة، على مبدأ القرب والبعد" أنا و أخوي على ابن عمي، و انا وابن عمي على الغريب"، وكلنا نعلم سوء هذا المثل.
و الأدهى و الأمر من هذه البداية هو أسلوب الردع المستخدم لمثل هذه المشاكل في جامعاتنا أو محاكمنا، فهم لا يتعاملون مع المشكلة باعتبارها شيء متجذر يجب حله، و إنما يتم التعاطي مع المشكلة نفسها بوقتها، على
انها بين اثنين متخاصمين، بصرف النظر على الشيء الذي تم الاختلاف عليه، أهو ذات قيمة ام لا.
فلا فصل طالب أو اثنين، او المتورطين في تلك الأحداث ولا حبسهم لدى الشرطة يجدي نفعا، و التاريخ يذكر كيف تكون ردة فعل الإنسان الفسطيني على مثل هذه الأساليب، بالتمرد، أو تكرار تلك الاحداث على اعتبار ان لا شيء سيحدث لك، ستفصل او يتم اعتقالك من قبل الشرطة لمدة يومين أو أكثر بقليل، وهذه ليست بمشكلة، فإن دخلت إلى السجن فستخرج، و إن فصلت، ستعيد تسجيلك على انك طالب جديد و انتهى الموضوع المهم أن "لا يعلم عليك احد".
فللأسف جامعاتنا وجه الحضارة و التحضر، ورمز الثقافة، و العامل الوحدوي، لا تستطيع التعامل مع مثل هذه الأمور، قد لا اعلم السبب، ولكنه أمر محزن بالدرجة الأولى و مخزي بالدرجة الثانية، ولا يبدو ان هناك حلا يلوح بالأفق.
وهنالك مشكلة اخرى تضاف إلى تلك المشاكل، وهي "الجماعة"، فيتم الدفع باتجاه المشكلة لا الحل، ويغيب عقلاء هذا الطرفين عن الموضوع، أو حتى يصبحون جزءً أصيلاً منه، فكل من سيقدم على أمر مشابه، يجب ان يعلمَ جماعته، أو بالأحرى "ابن بلده" لتحضير نفسه إن تطورت الاحداث و خرجت عن مشكلة بين اثنين، وغالبا هذا ما يحدث.
"فالجماعة" تشكل العامل الأهم و الرئيسي في تطور الأحداث، فلا تعرف كيف تتشكل، فهي غالبا تقوم على السمعة – بمعنى فلان من جنين عمل مشكلة – فيهب أبناء الطيف الواحد لنجدة أحد أفرادهم، وان لم يكون أصدقاء بل غالبا ما يكونون اعداء، ولكن المرحلة تتطلب الإتحاد بوجه الطرف الآخر و هم طوباس، و الحال ليس بمختلف بين جميع الجماعات أو الأطياف.
وبعيدا عن هذه التحليلات، هنالك سؤال ملح، لماذا تحدث مثل هذه الأمور بين ابناء الشعب الفلسطيني "البطل"؟، ولكني لم أجد جواباً شافياً إلا في آية انزلها الله في اليهود و هي الآية تسعة عشر من سورة سبأ، حيث يقول الله تعالى فيها) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 19 ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ( 20) (.
و من المؤسف حقاً أن نبطق آية في القرآن الكريم انزلت في وصف اليهود، هل اصبحنا نحن اليهود الجدد في هذ الزمان؟؟
وبعيدا عن تجميل الواقع، و عن استخدام المصطلحات الرنانة من قبل النخبة عن الوضع الفلسطيني، فهذا الحديث يجيبنا على سؤال مهم يتنقل بين ألسنة العامة، لمَ لمْ يتم إنجاز المصالحة الفلسطينية بين الفريقين إلى الآن، الجواب يكمن في ان المشكلة اعقد من وجود برنامجين متناحرين.
و الجواب يكمن في اننا اكتسبنا ثقافة الاقتتال بل ودعمناها وواظبنا على ترسيخها حتى أضحت على شكلها التي نراها اليوم، ونعاني منها ايضاً، فهناك من لا يكون له أدنا علاقة، ذنبه الوحيد أنه ينتمي إلى تيار معين أو محافظة معينة، ما ذنبه ان يؤخذ بجرائر غيره؟
فالحل يكمن في ان يغير المجتمع بشقيه النخبوي وبقية الناس، في نظرتهم للأمور و التعاطي معها، وبدل من اسلوب الردع المرحلي و غير المجدي، إيجاد بدائل تكون أفضل و أنجع من تلك الوسائل البالية، و التي زادت الطين بلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق